" TechZila — شروحات التطبيقات والتقنية والذكاء الاصطناعي فيسبوك من منصة تواصل إلى أداة مراقبة: من المستفيد من بياناتنا فعلًا؟

فيسبوك من منصة تواصل إلى أداة مراقبة: من المستفيد من بياناتنا فعلًا؟

 

فيسبوك من منصة تواصل إلى أداة مراقبة: من المستفيد من بياناتنا فعلًا؟

فيسبوك من منصة تواصل إلى أداة مراقبة: من المستفيد من بياناتنا فعلًا؟


عندما انطلق فيسبوك عام 2004، كان وعده بسيطًا: تقريب المسافات بين الناس. لكن بعد عقدين من الزمن، لم يعد هذا الوعد إلا غطاءً لبنية اقتصادية ضخمة تقوم على جمع وتحليل البيانات بدقة غير مسبوقة في تاريخ الإنترنت. السؤال الذي يتردد اليوم بين الصحفيين والباحثين ليس “كيف نستخدم فيسبوك؟” بل “كيف يستخدمنا فيسبوك؟”.

التحول الاقتصادي: من الشبكة الاجتماعية إلى شركة بيانات

من الناحية الاقتصادية، يشكل فيسبوك اليوم أحد أعمدة رأسمالية المراقبة التي تحدثت عنها الباحثة “شوشانا زوبوف”. كل نقرة، إعجاب، مشاركة أو حتى تردد بسيط على منشور معين، يتم تحويله إلى “معلومة تسويقية” تُباع للمعلنين حول العالم. والنتيجة: اقتصاد يعتمد على تنبؤ السلوك البشري بدلاً من مجرد قياسه.

تقديرات المحللين تشير إلى أن أكثر من 98% من أرباح فيسبوك تأتي من الإعلانات الموجهة بدقة. هذا يعني أن المستخدم لم يعد الزبون بل المنتَج نفسه. فبينما يعتقد ملايين الأشخاص أنهم يستفيدون من خدمة مجانية، فإنهم في الحقيقة يدفعون “الثمن” عبر بياناتهم الشخصية.

إدارة البيانات والذكاء الاصطناعي

ما يميز فيسبوك عن غيره هو استخدامه لأنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة تقوم بتحليل الصور، النصوص، وتفاعل المستخدمين. هذه الأنظمة تُغذّى يوميًا بكمية هائلة من المعلومات، مما يجعلها قادرة على توقع ما يفكر فيه الفرد قبل أن يعبّر عنه. هذا التحكم غير المباشر في السلوك الاجتماعي يمثل سلاحًا ذا حدين: من جهة يسهّل تقديم محتوى ملائم، ومن جهة أخرى يهدد حرية الاختيار.

الخصوصية... المفهوم المفقود

رغم الوعود المتكررة بتحسين الخصوصية، فإن كل تحديث جديد في المنصة يفتح بابًا خلفيًا لجمع بيانات أوسع. يكفي أن تنقر على إعلان واحد لتبدأ خوارزميات فيسبوك بتتبعك عبر مواقع أخرى بفضل ملفات تعريف الارتباط (Cookies) وشبكة شركائه الإعلانيين.

في عام 2018، هزّت فضيحة Cambridge Analytica العالم عندما كُشف أن بيانات ملايين المستخدمين استُخدمت للتأثير على الانتخابات الأمريكية والبريطانية. ومنذ ذلك الحين، أصبح مصطلح “التلاعب السياسي عبر فيسبوك” واقعًا لا يمكن إنكاره.

البعد الأخلاقي والإداري

من منظور إداري، يُظهر فيسبوك مثالًا كلاسيكيًا على الشركات التي تمتلك قوة أكبر من الرقابة القانونية. فقرارات المنصة في حذف أو إبقاء محتوى معيّن، أو في تقييد حسابات، تُتخذ أحيانًا وفق سياسات غامضة لا تخضع لمساءلة حقيقية.

أما من الناحية الأخلاقية، فإن استخدام بيانات المستخدمين دون علمهم الكامل يطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن الجمع بين الابتكار التقني والمسؤولية الاجتماعية؟ يبدو أن الجواب ما زال بعيدًا، لأن منطق الربح السريع يتغلب غالبًا على منطق العدالة الرقمية.

ردود الأفعال العالمية

الاتحاد الأوروبي حاول كبح هذا التوحش الرقمي عبر تشريعات مثل GDPR، التي تمنح المستخدمين حق التحكم ببياناتهم. إلا أن فيسبوك يستمر في التحايل القانوني عبر مئات البنود الدقيقة في شروط الاستخدام.

في المقابل، بدأت بعض الدول التفكير في إنشاء منصات تواصل وطنية لحماية بيانات المواطنين من الهيمنة الأجنبية، لكن المشكلة أن البنية التحتية التقنية والمعرفية لا تزال غير متكافئة.

خاتمة: من يملك الحقيقة؟

في نهاية المطاف، يظل فيسبوك مختبرًا اجتماعيًا ضخمًا يتحكم في سلوك مليارات البشر. وبينما يتحدث العالم عن حرية التواصل، يعيش المستخدم المعاصر في سجن رقمي شفاف لا يرى جدرانه، لكنه يشعر بتأثيرها يوميًا. السؤال الأهم ليس إن كان فيسبوك يراقبنا، بل إلى أي مدى نحن مستعدون لقبول هذه المراقبة مقابل لحظات من “الإعجاب” و”المشاركة”.


الأسئلة الشائعة حول فيسبوك والبيانات الشخصية

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال